RR

المرتبة الأولى

"صنعاء" by Sarah Al Adayleh

يعجبني الذهاب مبكراً إلى شارع المطاعم. أتوقّع دائماً أن أرى نفسي نائماً في هذه الزاوية أو تلك، ولكن لم يحدث مرّةً أن كان أحد المشرّدين المُستلقين على جنبهم هو أنا.

الداخل إلى هذا الشارع يبدأ سنته الأولى مُشرّداً، ثم في سنته الثانية يصير مجنوناً، ثم تستقرّ حالته بعد ذلك، ويغدو مواطناً عادياً من مواطني شارع المطاعم.

آخذ كأس شاي بالحليب وثلاث حبات خمير وأقعد. القطط لا تزال راقدة في وضع جنيني وتحلم بالقط المنتظر الذي سيملأ الشوارع بعلب التونة، العصافير تهبط وتلتقط فتاتاً وتزقزق متبادلة أرقام هواتفها، والعناكب ترسل خيوطها اللزجة وهي تسب عار الذباب الذي تأخّر عن موعده. هذه هي الساعة الذهبية، حيث الشمس لم تشرق بعد، والشارع خاوٍ من حشود الجياع، فأستمتع بصفاء روحي نادر، وألتهم طاقة الشفاء التي تجمّعت خلال الليل.

تفتح المطاعم أبوابها كفمٍ يتثاءب، ويجري ترتيب الطاولات والكراسي بمهارة لاعبي الشطرنج الذين يحصّنون دفاعاتهم بالبيادق، ويُباشر الطبّاخون العتاة إعداد "الكشنة" وهم يصدرون الأوامر كالجنرالات. أراقب العمال الذين يبدأون يومهم وهُم في أوج إشراقهم الرجولي، والشهوات تزعق من آباطهم، ثم من ساعة لساعة يهدّهم التعب، وتخمد أشواقهم كورود أدركها الذبول.

شارع المطاعم له موقع جغرافي فريد للغاية، ويمكن الوصول إليه بسهولة مضحكة من جميع أرجاء المدينة، إنه سُرّة المدينة، ندبة تدلّ على مكان الاتصال بالحبل السرّي لأمّنا الأرض. لقد قمت بإجراء حسابات مساحية لصنعاء، واكتشفت أن شارع المطاعم يتحقق فيه "الرقم الذهبي". ومن الناحية الفلكية يقع شارع المطاعم تحت تأثير برج الدلو، الذي يجذب الشباب المُحب للحرية والطبقة المثقفة، ويكون الجو في هذا النطاق مُولداً للأفكار الجديدة والصرعات الغريبة.

جميع الرجال الذين يرتادون هذا الشارع رائعون، لن تجد مثيلاً لهم في أية أمكنة أخرى. إنهم من خيرة الناس، صفوة المجتمع، قلوبهم طيبة، وأخلاقهم سمحة، لن تجد بينهم واحداً يتباهى بحمل السلاح أو يتفاخر بقبيلته. لقد تنقلتُ في أماكن كثيرة، وعببتُ براميلَ من الشاي والقهوة في مقاهٍ لا تحصى، ولم أشعر براحة نفسية وسكينة روحية إلا في هذا الشارع. حتى نظرات الناس هنا ليست استفزازية، ولا تحمل ذلك الفضول الذي يُضمر صاحبه نيّاتٍ سيّئة تجاهك. هنا نوع من التضامن الخفيّ بين الجميع لمواجهة الواقع الأسود الذي يُحدق بنا، وتلمح في النظرات تكاتفهم معك للعبور بسلام من هذه الحياة الأرضية الفانية.

الأشرار لا مكان لهم هنا، شارع المطاعم يلفظهم خارجاً، قوّة غير مرئية تسبّب لهم أمراضاً عصبية وعاهات جسدية وحوادث قدرية، تجعلهم لا يضعون أقدامهم في شارعنا مرة أخرى. لذلك كل من يجيء لشارع المطاعم هو شخص اختاره القدر، هو عضو – سواء علم أم لم يعلم – في جماعة سرية ذات أهداف خيّرة للمجتمع. الذين وثقوا فيّ ضمّوني للجماعة ولقّنوني الأسرار العشرة. يوماً ما، في المستقبل، سيظهر كلّ شيء. السماء تمطر، هذه علامة على أنني صادق في أقوالي.

يبدأ توافد الزبائن، وتظهر فرقة أعراس مكوّنة من خمسة أشخاص، وهم حين يدخلون الشارع يقرعون على طبولهم رقصة البرع، فيطير النوم نهائياً من أجفان العمّال ويدبّ النشاط فجأة. يتقدّمون ببطء، الأوّل يضرب بعصا غليظة على الطبل القرار، والثاني يضرب بعصوَيْن على الطبل الجواب، والثلاثة الآخرون يتمايلون ويرقصون بحيوية، وعندما يصلون إلى مطعمهم المفضّل، يقدّمون وصلة ترحيب لصاحب المطعم، ثم يجلسون ووجوههم تشرق حماسة. وبعد أن ينتهوا من إفطارهم، يخرجون من الشارع بالطريقة الصاخبة نفسها ناشرين المرح في أعقابهم.

أحبّ هؤلاء الناس، وأحسّ أنني أنتمي إليهم، فأنا أيضاً فنان، ولدي موهبة عظيمة في عزف العود، وصوتي رنّان وفيه غنة قوية تؤهّلني لأكون من أساطين الغناء. أتدرّب على العزف منذ ثلاث سنوات، واتصلت بجميع عازفي العود المعروفين في صنعاء القديمة، وعرضت عليهم فنّي، وكلهم أثنوا على مهارتي في العزف.

أمتلك في غرفتي ثلاثة أعواد، عراقي وشامي ومصري، والحمدلله أجيد العزف عليها جميعاً. عندي طموح أن أصير مغنياً شهيراً، وقد أدّيتُ الكثير من الأغاني التراثية بقدرة تامة، وعندي أغنيات من كلماتي وألحاني، أؤدّيها في المجالس الخاصة، وما زلت متحفّظاً على أدائها علناً خشية أن تتعرّض للسرقة.

ذهبتُ إلى الإذاعة لأسجّل لهم أغنياتي، وقابلتُ اللجنة المختصة، ولكنّ رأي أولئك الوحوش كان سلبياً.. هذا الفشل لم يصدمني، ما صدمني حقيقةً هو الأساليب المتبعة في الوسط الفني، لقد فهمت بطريقة غير مباشرة أن المرء لا يمكنه أن يدخل إلى عالم الفن والشهرة اعتماداً على موهبته فقط، وإنّما عليه أن ينام مع المسؤولين ليسمحوا له بالعبور. لقد كان بإمكاني تحقيق النجاح، وجني ثروة، ولكنني رفضت أن أسمح لهم بلمسي. لقد أسقطتُ مهنة الغناء من حسابي، فأنا أكبر من أن أكون مجرّد مغنٍّ لا حيثيّة له، لأنّ مستقبلي مبشّر جداً وسيكون عظيماً.

المطر يزداد، هو يأتي مُصدّقاً لكلامي، وقوّته إشارة إلى أن الله يساندني، وسوف يحقّق لي آمالي. عندما خرجت من البيت وأنا أحمل المظلة، كان المارّة ينظرون إليّ بسخرية، وها هي الآن تمطر. أنا متّصل بالطبيعة، وبيننا تفاهم عميق. وهذا التفاهم وصل إلى درجة أني عندما أشعر بالكآبة، أطلب نزول المطر لتتحسّن حالتي المزاجية. وهو ما يحدث. دائماً كانت تتمّ تلبية رغبتي بكل سرور. وحين لا يسقط المطر، أعرف أنني أنا السبب. الملائكة تعرف هذا الموضوع أكثر من أي شخص آخر. فما عدت أحتاج حتى للكلام، يكفي أن أحمل مظلتي أو العكس لتفهم الملائكة قصدي.

هناك الكثير من الأسرار في حياتي التي لا أستطيع أن أُدلي بها. سوف أحتاج إلى مجلدات لتوضيح ما أنا عليه حقاً من علوّ في المقام وعظم في الشأن.

سائق الدراجة النارية القبيح يندفع داخلاً كصاروخ، ويوقف دراجته لصق الحائط الذي يُغلق شارع المطاعم. ما إن يترجل من صهوة دراجته حتى يطلق صيحة رهيبة، تعبّر عن سخطه على الدنيا، تتصاعد قوتها كانفجار بركان: "آي هااااااا". لا تحاولوا أن تقلدوه، لأن الحبال الصوتية للإنسان العادي لا يمكنها أن تتحمل ذلك المد الصوتي المجلجل دون أن تتمزّق. أظنّ أنّ النار قد لفحت وجهه. ربما كان حادثاً عرضياً بسبب خطأ في استخدام الدافور – موقد الكيروسين – الذي يُفضله العزاب الفقراء. جلالته آخر من يصل، يقطع عدة كيلومترات قادماً من الضواحي ليفطر في هذا الشارع. كان يطلب فطوره ويحمله ويأتي ليجلس بقربي ويجاذبني أطراف الحديث. قال لي إنه عندما ينظر إلى وجهي تنفتح شهيته للأكل، وتهضم معدته جيداً، وتمر الوجبة بسلام، ولا يعاني من قولونه العصبي. لا تذهبَنَّ بكم الظنون. كلّ ما هنالك أنه يرى ذاته المُتخيّلة مُنعكسة عليّ- أنا المرآة الصافية التي كان يحدق فيها بشغف- هو شاب من عمري، ولكنه عكسي تماماً: قصير القامة، بشرته سمراء، شعره خفيف وفيه فراغات صلع مبكر، يميل للبدانة، ووجهه مشوّه.

دائماً ما يتكلم في السياسة، يرفع صوته كخطيب، وبسرعة يعلق مع أشخاص لا يتّفقون مع آرائه، ثم يتطور الحوار إلى تبادل للسباب واشتباك بالأيدي، وفي حالات قليلة كان يستخدم شبشبه الرثّ لإلحاق أكبر قدر من الإذلال بخصمه. بالتدريج حملتُه على الكفّ عن الكلام في السياسة، وجعلته يُنصتُ لي، لقد أخبرته بجميع أسراري، فهو مقتنع تماماً بأنني على حق، وأن الله سينصفني ويُنجّيني من أعدائي.

لا أعرف من هما والداي الحقيقيان. الرجل والمرأة اللذان ربّياني يقولان إنهما عثرا عليّ في داخل كرتون عند باب منجرة كانت في آخر شارع المطاعم، ولكنها منذ سنوات تحولت إلى فرن. الرجل الذي يُسمّي نفسه "أبي" هو الذي اشترى المنجرة وباعها لواحد آخر، ليطمس كل أثر قد يوصلني إلى أهلي.

أسمع الآن هدير طائرة مروحية تحلق على ارتفاع منخفض وتحوم حول شارع المطاعم، الرجل الذي يسمي نفسه "أبي" هو من أرسلها لتبحث عني. وهو لا يبحث عني حباً فيّ، ولكن لسبب لا يعلمه أحد غيري، ففي غرفتي كنز مدفون تحت الأرض. لقد سرق منه شطراً، وإلا فكيف صار غنياً وهو مجرد بائع قات بائس في باب اليمن؟ الجميع يتساءلون عن مصدر الثروة التي هبطت عليه فجأة. إنه يحاول إخراجي من غرفتي بكافة الطرق الماكرة، ولكنني متشبّث بالبقاء فيها حتى آخر نفس في حياتي. إنه يتظاهر بالطيبة كالثعالب، وقد تمكن من خداع الجميع، ولكن لا يمكنه خداعي، لن ينطلي عليّ قناعه الأبوي الزائف. لقد اشترى لي بمليون ريال فيزا عمل في السعودية، ليبعدني عن غرفتي، ولكنني لم أمكث هناك سوى شهر واحد، ثم رجعت وأفسدتُ عليه مخططاته. أغراني بالسفر إلى عدن، وناولني نصف مليون ريال نقداً، لأفتح لي تجارة، فغبتُ عن أنظاره ثلاثة أشهر إلى أن نفد المال، ثم عدت إلى غرفتي غصباً عنه. أنتظر وفاته بفارغ الصبر، فأنا لن أتمكن من استخراج الكنز إلا عندما يدخل هو أولاً إلى القبر. لقد تآمر عليّ ونشر عني الأقاويل لتدمير سمعتي.. لقد اشتغلت لفترة في مصلحة الواجبات، وكنت على وشك الحصول على الدرجة الوظيفية، ولكنه حرّض مديري في العمل ضدّي، فطردني ومنعني حتى من مجرد الدخول إلى المبنى للسلام على أصحابي.

بعد ذلك وجدت عملاً في شركة خاصة للأدوية، لكنني سرعان ما اضطررت لترك العمل. لقد تبيّن لي أن المؤامرة التي أتعرّض لها أضخم بكثير ممّا كنت أتصوّر، وجميع رؤسائي في الشركة كانوا مشتركين فيها. كلّ عمل كنت أحصل عليه، كان يسعى من ورائي وينمّ عليّ، ويخرّب علاقاتي الحسنة مع أرباب عملي. وصلتْ به الدناءة إلى مستوى أنه كان يعزمهم على جسدي.. فإذا بي أدخل معهم في صراع لحماية عرضي، وفي كل مرة كنت أضطر إلى تقديم استقالتي. مرات عديدة فكرتُ في الانتقام منه، إنه أشد عدوّ لي، وأيُّ عدوٍّ سيتفتّق ذهنه عن الحيل التي استخدمها لتدمير حياتي، أيُّ عدوٍّ سيمتلك كل هذا المقدار من الخبث لتلويث شرفي والحطّ من كرامتي. العدوّ الاعتيادي يكتفي بإلحاق الضرر الجسدي أو القتل، ولكنّ هذا الرجل الذي يسمّي نفسه أبي، ألحق الضرر بروحي وعقلي، وقتلني مليون مرة بنظراته وكلماته وأفعاله، لقد تعامل معي بخسّة وحقارة لا حدود لهما.

مِن رابع المستحيلات أني أنحدر من صلب هذا النكرة ضئيل الشأن. دمي يحدّثني بأني أنحدر من أصلاب الأسود، وأنّ أبي كريم الأصل نبيل الجد.

دخلنا في الظهيرة، لقد جاء الرجل الذي يحمل صورة الرئيس السابق. كلّ يوم في مثل هذا التوقيت، يأتي رافعاً اللافتة الخشبية ويلوّح بها مُتحدّياً. وفوراً، كان جميع عمّال المطاعم وجلساء المقاهي يهبّون للصياح في وجهه بكلمة "ارحل" حتى يضطر إلى الانسحاب وهو يرشقهم بنظرات شزراء متوعّدة. قبل أعوام، كان أنصار الرئيس السابق يحصلون على حصص مجانية من الأرزّ واللحم والدجاج، ويتدفّقون على شارع المطاعم لتناول غدائهم مستفيدين من الطاولات والكراسي والمغاسل، وما كان أصحاب المطاعم وعمّالها بقادرين على فتح أفواههم بكلمة. ولذلك وجدوا  فرصتهم في الانتقام من خلال اضطهاد هذا القبيليّ الذي يبدو أنه لا يتابع الأخبار. تقول أمي إن شقيقها هو شخص مُقرّب من الرئيس السابق، أتراها كانت على علاقة به؟ من يدري! شخص مثلي بما أوتي من الرفعة والعبقرية والذكاء الخارق ليس معقولاً أن يكون ابناً لواحد مُقوّت.. الأسوأ أن هذا الكائن الذي يزعم أنه أبي ليس بشراً وإنما هو جنّي. لاحظت أنه يقوم بتنجيس أكلنا وملابسنا عمداً. عندما أقرأ القرآن يهرب، يخاف أن أحرقه بكلام الله. إنني أتظاهر بعدم معرفتي بما يقوم به، وفي السر أقوم بتطهير ملابسي وطعامي. أستعين بقراءة القرآن لتطهير الأكل، وأنظف الملابس بمساحيق قوية. أيّة قطة تحاول الاقتراب منّي أطردها، ولاحظت أكثر من مرة قططاً تجلس تحت مقعدي لتسترق السمع، هذه ليست قططاً حقيقية. إنه الرجل الذي يسمّي نفسه أبي يتقمّص هيئة قطّ ويتجسّس عليّ. في مرّة من المرّات، تقمّص هيئة كيس نايلون، فرميته بحجر، وعندما عدت للبيت وجدتُ أمّي تعالجه من شجة في صدغه. أشعر به عندما يدخل إلى البعد الخامس ويصير غير مرئي لعينيّ البشريّتين، أسمع طنيناً في أذنيّ، وأشمّ رائحة لحم نيء، وألمح بطرف عيني طيفاً برّاقاً يتحرّك على حواف الأبعاد الثلاثة. وفي هذه الحالة، أقوم بإخراج لساني وأحرّكه لجانب الفم وأعضّ عليه بأسناني بكل قوتي وأجحظ بعينيّ مهدِّداً، فيصيبه الذعر ويلوذ بالفرار. 

دخل وقت العصر ولم أتلقَّ أي خبر. سمعت دون قصد حديث صبي المقهى مع زميله الذي يقف عند برادات الشاي، كانت عيناه تلمعان وصوته متهدّج وهو يخبر صاحبه أن الرجل الذي يمتلئ جيبه العلوي بالدولارات قد وصل. همس بصوت واطئ أن الرجل قد تحرّش به، لم أسمع جواب الآخر، ولكنّ حُمرة خفيفة صعدت إلى وجنتي الصبي الأول. عندما كنت في عمرهما- 16 سنة- هربت للمرة الأولى من البيت، وكنت أنام على أرصفة ميدان التحرير ونادراً ما تعرضت للتحرش، ثم عرض عليّ رجل كهل أن أبيت في منزله، ووعدني أن يوفر لي الطعام ومصروفاً للجيب، ولكنه بعد بضعة أيام وضع لي مخدّراً في عشائي، ثم اعتدى عليّ.

توافد أصدقائي من جهات صنعاء الأربع، بعضهم أساتذة كبار، وآخرون شخصيات معروفة في المجتمع، وفي كافة المواضيع التي كنا نتكلم فيها كنت أتفوق عليهم في النقاش، وأخرسهم بقوة الحجة والمنطق. بمجرد أن أتكلم أنا، يتحوّلون جميعاً إلى تلاميذ صغار. أنا أعرف الكثير من العلوم والأسرار، الله وهبني المعرفة الشاملة التي وهبها من قبلي لسيّدنا آدم. حتى المذياع الأبله الذي لا يكفّ عن نشر الأخبار، لا يعلم أن جميع الحوادث التي تحدث في الدنيا لها علاقة بي، وأنها إنما تحدث لأجلي، ومن أجلي فقط.

غربت الشمس، والشفق الأحمر يؤشر السماء بإشارات الموت والحداد. تلقّيتُ اتصالاً من أمي، تقول إن الذي يسمّي نفسه أبي قد نجا من الموت بأعجوبة، وأنه قد خرج من المستشفى بصحة جيدة. يا له من جنّي بسبعين روحاً، حتى السمّ الذي وضعته له في قارورة الشعير لم يقتله. الأرض لن تعطيني الكنز حتى أقايضها بجسده. هذا قانون كونيّ وقعت عليه جميع النجوم. غداً سيكون لي شأن آخر مع القدر.

كلمة من لجنة تحكيم الجائزة:

المكان، صنعاء. الزمان، ما بعد الربيع العربي. يأخذنا وجدي الأهدل في رحلة شيقة قد تدور احداثها ما بين الواقع ومخيلة شاب يمني. تبتعد القصة عن المقاربات المثالية لتناول المدن في الأدب في أسلوب سردي ساخر يحاكي تجليات الأبوة الناقصة والغائبة كما ثيمة العنف الجنسي في سياق سياسي متأ ّزم يسرده راوٍ يتحول من ضحية مثالية إلى مجرم فاشل. في مكي كل عناصر القصة القصيرة، من رسم دقيق ومتعدد المستويات للشخصية الرئيسية، إلى إيحاءات ثقافية وسياسية تجمع بين الواقعية والسوريالية، تنتهي بكشف مفاجئ ي ّحول مسار السرد ويأخذ القصة إلى نهايات قاتمة ولكن مثيرة، وذلك على لسان را ٍو يكشف عن تفاصيل قصته بتأ ّن يتراوح بين البرودة العاطفية والسخرية اللاذعة. قصة متميّزة على جميع المستويات الجمالية.

جائزة بارجيل مدن هي مسابقة دولية تدعو الكتّاب لعرض مدينة في العالم العربي يعرفونها عن كثب في صورة روائية. تهدف المسابقة إلى إنتاج قصص قصيرة وروايات تعكس الروح الحضرية للمدن والأحياء والمباني في المنطقة.

Contributor
وجدي محمد عبده الأهدل

وجدي محمد عبده الأهدل قاص وروائي من مواليد اليمن، 1973. صدرت له خمس روايات وسبع مجموعات قصصية وثلاثة كتب عن السيناريو، إضافةً إلى مسرحية واحدة. تُرجمت روايته "بلاد بلا سماء" إلى الإنجليزية والروسية والتركية، ورواية "قوارب جبلية" إلى الفرنسية، ورواية "حمار بين الأغاني" إلى الإيطالية. عام 2019، عرضت مسرحية A Land Without Jasmine المقتبسة من الترجمة الإنجليزية لروايته "بلاد بلا سماء" على خشبة مركز باترسي للفنون بلندن.

 

Post Tags
Share Post
Written by

<p dir="rtl" style="text-align: right important!;"><span style="font-size: 12pt;"><strong>وجدي محمد عبده الأهدل</strong> قاص وروائي من مواليد اليمن، 1973. صدرت له خمس روايات وسبع مجموعات قصصية وثلاثة كتب عن السيناريو، إضافةً إلى مسرحية واحدة. تُرجمت روايته "بلاد بلا سماء" إلى الإنجليزية والروسية والتركية، ورواية "قوارب جبلية" إلى الفرنسية، ورواية "حمار بين الأغاني" إلى الإيطالية. عام 2019، عرضت مسرحية A Land Without Jasmine المقتبسة من الترجمة الإنجليزية لروايته "بلاد بلا سماء" على خشبة مركز باترسي للفنون بلندن.</span></p>  

No comments

Sorry, the comment form is closed at this time.